ثقافة فيلم "بذور شجرة التين البرية" في المسابقة الرسمية: محمد رسولوف يقاوم ويتألق
بقلم الناقد الطاهر الشيخاوي
يعدّ محمد راسولوف، إلى جانب جعفر باناهي، من المخرجين الإيرانيين الأشد معارضة للنظام القائم ومن أبرزهم سينمائيا. تحصّل على العديد من الجوائز في المهرجانات العالمية. يعود إلى كان في المسابقة الرسمية بـ"بذور شجرة التين البرية" في سياق ساخن. اذ صرّح يوم 13 ماي أنه غادر إيران خلسة وطلب اللجوء السياسي مقرّرا الاستقرار في الخارج. "لا أرغب في الرجوع إلى السجن".
من المرجح جدّا أن يفوز بجائزة هامّة في الدورة 77 لمهرجان كان. لا فقط بسبب رمزيته السياسية التي كسبت شحنة إضافية في سياق علت فيه الأصوات المدافعة عن النساء في فرنسا وخارجها ولكن أيضا للقيمة السينمائية الفائقة للعمل.
أوّلا، يستقي الفيلم مادّته من السياق السياسي والاجتماعي الإيراني وبالتحديد من الأحداث التي شهدها البلد بعد وفاة الشابة جينة مشا أميني في مركز من مراكز شرطة الأخلاق. أمان موظف عمومي يتحصّل على ترقية إدارية يصبح بموجبها محققا لدى المحاكم الثورية. درجة واحدة تفصله على مرتبة حاكم التحقيق. الفضل يرجع إلى تدخل زميله وصديقه إثر شغور حدث في منصب لم يستجب شاغره السابق لتعليمات السلطة. المشكلة (والحكمة الدرامية) تكمن في أنّ تعيينه تزامن مع الأحداث المذكورة.
تُسلمه الإدارة مسدسا قد يستعين به وقت الحاجة. لا يدرك أمان جيّدا أن ابنتيه متعاطفتان مع حركة النساء لفقدان التواصل بينه وبينهما، ثم (دائما في باب الحبكة الدرامية) تربط الأختان علاقة متينة بطالبة تعرضت لعنف شديد أثناء المظاهرات. تسعى الزوجة إلى التوفيق بين الطرفين، ممزقة بين صفة الزوجة وصفة المرأة. فيلم درامي اجتماعي محكم، يتضمن صورا حقيقية من مشاهد العنف البوليسي وفق مونطاج ناجع، له وقع كبير على المتفرج. تتطور الأحداث لما تجد الصديقة المصابة ملجأ في بيت أمان دون علمه، ثم تتسارع الأمور دراميا لمّا يفقد أمان مسدسه فجأة. يغضب وتثور ثائرته مهددا زوجته وابنتيه.
فينحو الفيلم بطريقة غير منتظرة تماما منحى الثرلر. ننتقل من جنس إلى جنس، من الفيلم الاجتماعي إلى فلم حركة كما لو أنجب الفيلم الأول فيلما ثانيا. يأخذ الصراع حينها وجهة أخرى في مواجهة بين الرجل والنساء الثلاثة تقودهن الفتاة الصغرى، وتتسارع الأحداث في نسق درامي خاص بنوعية أفلام الثرلر. فبعد نجاعة الالتزام السياسي تأتي النجاعة السينمائية.
مهارة فائقة ذات وجهين : من الناحية السياسية، للعمل وقع على المشاهد الذي لا مفرّ له من التعاطف مع الشخصيات النسائية، ومن ناحية أخرى افتتان بقدرة عالية على التعامل مع الأساليب السينمائية تضع رسولوف في مرتبة الكبار.
Juste que nous avons parfois, mais parfois, l’impression que le cinéaste se laisse lui-même emporter par son impressionnante habileté. Mais ce serait lui chercher la petite bête. Allez, ce n’est pas le moment. Apprécions d’abord et admirons !